تاريخيّا، يمكن تقسيم مجالات البحث الموسيقيّ إلى أربع مراحل. مرحلة أولى اهتمّت باستعراض الأحداث الموسيقيّة وتاريخ المؤلّفات ومسيرة أصحابها والبحث في مكانتهم الفنيّة والاجتماعيّة وربما انتماءاتهم السياسيّة. مرحلة ثانية اعتنت بتاريخ الموسيقى دون تحليلها أو نقدها بالكيفيّة التي نعرفها هذه الأيّام وهي مرحلة ظهور اختصاص فيلولوجيا الموسيقى1 بمفهومها وآليّاتها التقليديّة وفي هذا السياق يمكن الرجوع إلى المدرسة الفرنسيّة التي تزعّمها منذ أواخر القرن التاسع عشر كلّ من “بيار أوبري” و”جول كمباريو” اللذين جمعا بين الفنّ والفيلولوجيا وعلم الاجتماع واثنوغرافيا الموسيقى، وتواصل ذلك إلى حدود فترة الخمسينات حيث تدعّمت ببعض المنهجيّات والمقاربات التي قدّمتها المدرسة الفرنسيّة بزعامة “جاك شايي” هذه المدرسة التي شهدت الكثير من انتقادات المدرسة الألمانيّة التي أقحمت الموسيقيّ في الثقافيّ وأصبح الحديث عن التحليل السياقيّ من خلال اختصاص جديد أطلق عليه “الإثنوموسيقولوجيا”، هذا التوجّه الذي تدعّم أكثر فأكثر مع المدرسة الأمريكيّة بإدماج الجانب الأنتروبولوجيّ بحيث أصبح الحديث عن الموسيقى هو الحديث عن الإنسان2. مرحلة ثالثة اهتمّت بتاريخ الموسيقى من خلال الموسيقى وذلك بالاعتماد على مناهج عديدة أساسها المقارنة والتحليل وذلك بتفحّص العناصر والمكوّنات الموسيقيّة من خلال معالجة السلالم والنسب بين الأصوات الموسيقيّة والأجناس والأساليب، ما أطلق عليه بـــ”الموسيقولوجيا النظاميّة” وهو اختصاص قديم في تصوّراته وحديث في مناهجه ومقارباته ووسائله3. مرحلة رابعة اتّسمت بدخول الاختصاصات المسمّاة بالمساندة مثل علم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس وعلم الصوت والفيزياء والتكنولوجيا الحديثة والسيميولوجيا والعلوم السياسيّة وصولا إلى الاختصاصات المسمّاة بالمجاورة4. إذن، وحسب النتائج الأوليّة التي توصّلنا إليها، تمّ التحوّل من المنهج التاريخيّ الذي يهتمّ بالأحداث إلى المنهج الوصفيّ فالمنهج التحليليّ من خلال النظريّة الموسيقيّة ومدارسها البنيويّة وصولا إلى منهج التحليل السياقيّ الذي أدى شيئا فشيئا إلى تأسيس مشروع “الموسيقولوجيا الشّاملة” التي من خلالها تمّ التمهيد إلى أنتروبولوجيا الموسيقى.